سورة آل عمران - تفسير تفسير الخازن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (آل عمران)


        


قوله تعالى: {تولج اللّيل في النهار} الآية. لما ذكر الله تعالى أنه مالك الملك أردفه بذكر قدرته الباهرة في حال الليل والنهار، وفي المعاقبة بينهما وحال إخراج الحي من الميت ثم عطف عليه أنه يرزق من يشاء بغير حساب، وفي ذلك دلالة على أن قدر على تلك الأفعال العظيمة المحيرة لذوي الأفهام والعقول، فهو قادر أن ينزع الملك من فارس والروم واليهود ويذلهم ويؤتيه العرب ويعزهم فقوله تعالى: {تولج الليل في النهار} يعني تدخل الليل في النهار وهو أن تجعل الليل قصيراً وما نقص منه زائداً في النهار حتى يكون النهار خمس عشرة ساعة ذلك غاية طول النهار، ويكون الليل تسع ساعات وذلك غاية قصر الليل، {وتولج النهار في الليل} حتى يكون الليل خمس عشرة ساعة وذلك غاية طوله، ويكون النهار تسع ساعات وذلك غاية قصره، وقيل: المراد أنه تعالى يأتي بسواد الليل عقيب ضوء النهار، ويأتي بضوء النهار بعد ظلمة الليل والقول الأول أصح وأقرب إلى معنى الآية لأنه إذا نقص الليل كان ذلك القدر زيادة في النهار وبالعكس وهو معنى الولوج. {وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي} وهو أنه تعالى يخرج الإنسان الحي من النطفة وهي ميتة، ويخرج النطفة من الإنسان ويخرج الفرخ وهو حي من البيضة وهي ميتة وبالعكس، وكذلك سائر الحيوان. وقيل: يخرج النبات الغض الأخضر من الحب اليابس، ويخرج النخلة من النواة وبالعكس. وقيل: معناه أنه تعالى يخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن لأن المؤمن حي الفؤاد، والكافر ميته {وترزق من تشاء بغير حساب} يعني من غير تضييق ولا تقتير، بل تبسط الرزق لمن تشاء وتوسعه عليه. قوله عز وجل: {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين} قال ابن عباس: كان الحجاج بن عمرو وابن أبي الحقيق وقيس بن زيد يبطنون بنفرٍ من الأنصار ليفتنوهم عن دينهم فقال رفاعة بن المنذر وعبد الله بن جبير وسعيد بن خيثمة لأولئك النفر: اجتنبوا هؤلاء اليهود لا يفتنونكم عن دينكم، فأبى أولئك النفر إلا مباطنتهم فأنزل الله تعالى هذه الآية. وقيل: نزلت في حاطب بن أبي بلتعة وغيره ممن كان يظهر المودة لكفار مكة. وقيل: نزلت في عبد الله بن أبي وأصحابه كانوا يتولون المشركون واليهود ويأتونهم بالأخبار ويرجون أن يكون لهم الظفر على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى هذه الاية ونهى المؤمنين عن مثل ذلك. وقيل: إن عبادة بن الصامت كان له خلفاء من اليهود فقال يوم الأحزاب: يا رسول الله إن معي خمسمائة من اليهود وقد رأيت أن أستظهر بهم على العدو فنزلت هذه الآية.


وقوله: {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء} يعني أنصاراً وأعواناً من دون المؤمنين يعني من غير المؤمنين، والمعنى لا يجعل المؤمن ولايته لمن هو غير مؤمن نهى الله المؤمنين أن يوالوا الكفار أو يلاطفوهم لقرابة بينهم أو محبة أو معاشرة، والمحبة في الله والبغض في الله باب عظيم وأصل من أصول الإيمان {ومن يفعل ذلك} يعني موالاة الكفار من نقل الأخبار إليهم وإظهار عورة المسلمين أو يودهم ويحبهم {فليس من الله في شيء} أي فليس من دين الله في شيء. وقيل: معناه فليس من ولاية الله في شيء وهذا أمر معقول من أن ولاية المولى معاداة أعدائه وموالاة الله وموالاة الكفار ضدان لا يجتمعان {إلا أن تتقوا منهم تقاة} اي إلاّ أن تخافوا منهم مخافة. ومعنى الآية أن الله نهى المؤمنين عن موالاة الكفار ومداهنتهم ومباطنتهم إلاّ أن تخافوا منهم مخافة. ومعنى الاية أن الله نهى المؤمنين عن موالاة الكافرين ومداهنتهم ومباطنتهم إلاّ أن يكون الكفار غالبين ظاهرين، أو يكون المؤمن في قوم كفاراً فيداهنهم بلسانه وقلبه مطمئن بالإيمان دفعاً عن نفسه من غير أن يستحل دماً حراماً أو مالاً حراماً أو غير ذلك من المحرمات، أو يظهر الكفار على عورة المسلمين، والتقية لا تكون إلا مع خوف القتل مع سلامة النية قال الله تعالى: {إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان} ثم هذه التقية رخصة فلو صبر على إظهار إيمانه حتى قتل كان له بذلك أجر عظيم، وأنكر قوم التقية اليوم قالوا: إنما كانت التقية في جدة الإسلام قبل استحكام الدين وقوة المسلمين، فأما اليوم فقد أعز الله الإسلام والمسلمين فليس لأهل الإسلام أن يتقوا من عدوهم. قال يحيى البكاء: قلت لسعيد بن جبير في أيام الحجاج: إن الحسن يقول: التقية باللسان والقلب مطمئن بالإيمان فقال سعيد: ليس في الأمان تقية إنما التقية في الحرب. وقيل: إنما تجوز التقية لصون النفس عن الضرر لأن دفع الضرر عن النفس واجب بقدر الإمكان {ويحذركم الله نفسه} أي ويخوفكم الله أن تعصوه بان ترتكبوا المنهي أو تخالفوا المأمور به أو توالوا الكفار فتستحقوا عقابه على ذلك كله. {وإلى الله المصير} يعني أن الله يحذركم عقابه إذا صرتم إليه في الآخرة.


قوله عز وجل: {قل إن تخفوا ما في صدوركم} يعني ما في قلوبكم من موالاة الكفار ومودتهم وإنما ذكر الصدر لأنه وعاء القلب {أو تبدوه} يعني تبدوا مودة الكفار قولاً وفعلاً وقيل معناه إن تخفوا ما في قلوبكم من تكذيب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو تبدوه أي تظهروه بالحرب والمقاتلة له {يعلمه الله} أي يحفظه عليكم ويجازيكم به، {ويعلم ما في السموات والأرض} يعني أنه تعالى إذا كان لا يخفى عليه شيء في السموات ولا في الأرض فكيف يخفى عليه حالكم وموالاتكم الكفار وميلكم إليهم بقلوبكم {والله على كل شيء قدير يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً} يعني تجد كل نفس جزاء ما عملت محضراً ما عملت محضراً يوم القيامة لم ينقص ولم يبخس منه شيء، {وما عملت من سوء} أي تجد ما عملت من الخير محضراً فتسر به وما عملت من سوء {تود} أي تتمنى {لو أن بينها وبينه} أي وبين ما عملت من السوء {أمداً بعيداً} أي مكاناً بعيداً قيل: كما بين المشرق والمغرب والأمد الأجل والغاية، وقيل معناه تود أنها لم تعمله ويكون بينها وبينه أمد بعيد {ويحذركم الله نفسه} إنما كرره لتأكيد الوعيد {والله رؤوف بالعباد} قيل: معناه أنه رؤوف بهم حيث حذرهم نفسه وعرفهم كمال قدرته وعلمه، وأنه يمهل ولا يهمل. وقيل: معناه أنه رؤوف بالعباد حيث أمهلهم للتوبة ولتدارك العمل الصالح. وقيل: إنه تعالى لما قال: ويحذركم الله نفسه وهو وعيد أتبعه بقوله والله رؤوف بالعباد، وهو وعد ليعلم المؤمن أن رحمته ووعده غلبت وعيده وسخطه.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8